$$$ السيرة الذاتية للزعيم الراحل جمال عبد الناصر $$$
ثاني رئيس لجمهورية مصر العربية، بعد الرئيس محمد نجيب، وأشهر القادة العرب في التاريخ المعاصر، وأكثرهم تأثيرًا سواءً على الصعيد العربي أو العالمي، وبخاصة الدول الأفريقية، وكتلة عدم الانحياز.
وُلد جمال في 15 يناير 1918م، في 18 شارع قنوات بحي باكوس الشعبي بالإسكندرية، وهو الابن الأكبر لعبد الناصر حسين، الذي ولد في عام 1888م، في قرية بني مر بمحافظة أسيوط في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم، سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفي بصعوبة لسداد ضرورات الحياة.
التحق جمال بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة في عامي 1923م، 1924م. وفي عام 1925م، دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة، وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبة في العطلات المدرسية.
وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – 1926 – علم أن والدته قد تُوفِّيَت قبل ذلك بأسابيع، ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه.
وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف 1928إلى معند جده لوالدته، فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية والتحق عبد الناصر في عام 1929م، بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية، وقضى بها عامًا واحدًا، ثم نُقل في العام التالي – 1930م – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية، بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البريد هناك.
وفي تلك المدرسة تكون وجدان جمال القومي، ففي عام 1930م، استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسومًا ملكيًّا بإلغاء دستور 1923، فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور، وشارك عبد الناصر في أحد هذه المظاهرات، وتعرض للإصابة والاعتقال.
وقد التحق جمال في عام 1933م، بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي، فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.
وفي تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية، فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير"، وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية"، نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى"، وقرأ رواية البؤساء لـ "فيكتور هيوجو"، وقصة مدينتين لـ "شارلز ديكنز".(الكتب التي كان يقرؤها عبد الناصر في المرحلة الثانوية).
كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي، فكان معجبًا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعن أبطال الإسلام، وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم، خصوصًا رواية عودة الروح، التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين، يستطيع توحيد صفوفهم، ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.
وفي 1935م في حفل مدرسة النهضة الثانوية، لعب الطالب جمال عبد الناصر دور "يوليوس قيصر"، بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير"، في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.
وقد شهد عام 1935م نشاطًا كبيرًا للحركة الوطنية المصرية، التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي، مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، وفور صدور تصريح صمويل هور – وزير الخارجية البريطانية – في 9 نوفمبر 1935م، معلنًا رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد.
وقاد جمال عبد الناصر في 13 نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية، واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي، فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد، ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد، التي تصادف وقوع الحادث بجوارها، ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى.
وتحت الضغط الشعبي، وخاصة من جانب الطلبة والعمال، صدر مرسوم ملكي في 12 ديسمبر 1935م بعودة دستور 1923م. وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة، التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة 1936م بالفعل على أثر هذه الجهود.
وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف، لجمال عبد الناصر في هذه الفترة، الذي رصدته تقارير البوليس، أن قررت مدرسة النهضة فصلته بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام، وهددوا بحرق المدرسة، فتراجع ناظر المدرسة في قراره.
لما أتمَّ جمال عبد الناصر دراسته الثانوية، وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي، قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي، واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم: أن تحرير مصر لن يتم بالخطب، بل يجب أن تقابل القوة بالقوة، والاحتلال العسكري بجيش وطني.
تقدم عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي، ولكنه سقط في كشف الهيئة، لأنه حفيد فلاح من بني مر، وابن موظف بسيط لا يملك شيئًا، ولأنه اشترك في مظاهرات 1935، ولأنه لا يملك واسطة.
ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر 1936م إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ومكث فيها ستة أشهر، إلى أن عُقدت معاهدة 1936م، واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب، بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقَبلت الكلية الحربية دفعة في خريف 1936م، وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية، ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء "إبراهيم خيري"، الذي أُعجب بصراحته ووطنيته، وإصراره على أن يُصبِح ضابطًا، فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس 1937م.
لقد وضع جمال أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية، وهو "أن يصبح ضابطًا ذا كفاية، وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يُصبح قائدًا".وفعلاً أصبح "رئيس فريق"، وأُسندت إليه منذ أوائل 1938م مهمة تأهيل الطلبة المستجدين، الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر، (أحد أبرز قادة ثورة يوليو 1952 م).
تخرَّج جمال من الكلية الحربية، بعد مرور 17 شهرًا، أي في يوليو 1938م، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت؛ لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين، لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس. والتحق فور تخرُّجه بسلاح المشاة، ونُقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.
وفي عام 1939م طلب جمال نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفي جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين، وعبد الحكيم عامر. وفي مايو 1940م رقِّىَ إلى رتبة الملازم أول.
وفي نهاية عام 1941، بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية، عاد جمال عبد الناصر إلى مصر، ونقل إلى كتيبة بريطانية تُعسكر خلف خطوط القتال، بالقرب من العلمين.
ويذكر جمال : "في هذه المرحلة رُسِّخت فكرة الثورة في ذهني رسوخًا تامًا، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان، الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد، هو خدمة هذه القضية المشتركة".
وأثناء وجوده في العلمَيْن جرت أحداث 4 فبراير 1942م، حينما توجه السفير البريطاني السير مايلز لامسبون، ليقابل الملك فاروق بسراي عابدين في القاهرة، بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسَلَّم الملك إنذارًا يُخيِّره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس، مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك بلا قيد ولا شرط. ويَذكر جمال عبد الناصر أنه منذ ذلك التاريخ لم يَعُد شيء كما كان أبدًا.
ورُقِّى جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب)، في 9 سبتمبر 1942م، وفي 7 فبراير 1943م عُيِّن مدرسًا بالكلية الحربية، وفي 29 يونيه 1944 تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى، وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم.
تنظيم الضباط الأحرار
شهد عام 1945م انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبداية حركة الضباط الأحرار، وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر 1947م، عقد الضباط الأحرار اجتماعًا، واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب، ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.
وفي اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر إلى مفتى فلسطين، الذي كان لاجئًا يُقيم في مصر الجديدة، فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة، كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها، وقد أجابه المفتى بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية. وبعد بضعة أيام رفض العرض، فتقدم بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسميًا بالاشتراك في الحرب.
فسافر جمال إلى فلسطين في 16 مايو 1948، بعد أن كان قد رُقى إلى رتبة صاغ (رائد)، في أوائل عام 1948م. ولقد كان لتجربة حرب فلسطين آثار بعيدة على جمال عبد الناصر.
وقد جُرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين، ونقل إلى المستشفى. ونظرًا للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة، فإنه مُنح نيشان "النجمة العسكرية" في عام 1949م.
وبعد رجوعه إلى القاهرة، أصبح جمال عبد الناصر واثقًا أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين، كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة، التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش.
وقد أصبح مقتنعًا بأنه من الضروري، تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم "الضباط الأحرار"، منذ نهاية 1948م وحتى 1952م.
وقد كان في نية جمال عبد الناصر القيام بالثورة في 1955م، لكن الحوادث أمْلت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير.
وبعد عودته من فلسطين عُين جمال عبد الناصر مدرسًا في كلية أركان حرب، التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في 12 مايو 1948م. وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار، وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم: (كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم)، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس قيادة الثورة فيما بعد عام 1950م، 1951م.
وفي 8 مايو 1951، رُقي جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشي (مقدم)، وفي نفس العام اشترك مع رفاقه من "الضباط الأحرار"، سرًّا في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة، التي استمرت حتى بداية 1952م، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح، الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب، من كافة الاتجاهات السياسية، والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.
وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام 1952م، اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم، على أنه الحل الوحيد. وفعلاً بدءوا باللواء "حسين سرى عامر" - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة، التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.
ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار، التي كانت تُطبع وتُوزع سرًّا، والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية، بدلاً من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد، ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين. وفي تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة، إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.
ثم حدث حريق القاهرة في 26 يناير 1952م، بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة، احتجاجًا على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية، التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قُتل فيها 46 شرطيًّا وجرح 72.
لقد أُشعلت الحرائق في القاهرة، ولم تتخذ السلطات أي إجراء، ولم تُصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر، بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت 12 ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر 22 مليون جنيه.
وفي ذلك الوقت كان يجرى صراعًا سافرًا بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق، فيما عُرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء "حسين سرى عامر"، المكروه من ضباط الجيش، ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر "الضباط الأحرار" أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء "محمد نجيب" للرئاسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى، وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصيًّا، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار، أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر – رئيس الهيئة التأسيسيّة للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة، التي كان محددًا لها قبل ذلك عام 1955.
وتحرك الجيش ليلة 23 يوليو 1952م، وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة، وإلقاء القبض على قادة الجيش، الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة "الضباط الأحرار" بعد أن تسرب خبر عنها .
وبعد نجاح حركة الجيش قدم "محمد نجيب"، على أنه قائد الثورة- وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم، إذا ما نجحت المحاولة- إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة، الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر، حتى 25 أغسطس 1952م، عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس، وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.
وبعد نجاح الثورة بثلاثة أيام – أي في 26 يوليو – أُجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفي اليوم التالي أُعيد انتخاب جمال عبد الناصر، رئيسًا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.
وفي 18 يونيو 1953م، صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة، التي شغلها منذ 7 سبتمبر 1952، أما جمال عبد الناصر، فقد تولى أول منصبًا عامًّا، كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة، التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفي الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.
وفي فبراير 1954م، استقال محمد نجيب، بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة، ورئيسًا لمجلس الوزراء، وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف، فقبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية، في بيان صدر في 27 فبراير 1954.
وفي 17 أبريل 1954، تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء، واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية، حتى وقعت حادثة المنشية المزعومة، عندما ادعت قيادة الثورة تعرُّض عبد الناصر لمحاولة اغتيال، على يد أحد أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية، في 26 أكتوبر 1954م، وزعمت التحقيقات أن محمد نجيب كان على اتصال بالإخوان، وأنه كان معتزمًا تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم.
وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر 1954م، إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه، على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرًا، وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته، بقيادة جمال عبد الناصر.
وبعد الإطاحة بالمشير نجيب بعامين، كان عبد الناصر المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية، وفاز بمقعد الرئاسة بالتزكية. وقد نهج عبد الناصر نهج القومية العربية المعتدلة بعلاقات جيدة مع الغرب، إلا أنه مال إلى المعسكر الشرقي، معسكر الاتحاد السوفييتي.
وفي 16 يناير 1956م، تعهّد الرئيس عبد الناصر بتحرير فلسطين وطرد الصهاينة. وفي صيف عام 1956م، خرج عبد الناصر بقرار يؤمّم به قناة السويس، الذي بدوره أغضب كل من فرنسا والمملكة المتحدة، لامتلاكهما معظم أسهم شركة قناة السويس. وبمساعدة إسرائيل، شنّت كل من فرنسا وبريطانيا حربًا على مصر، وخبت نار الحرب فيما بعد نتيجة ضغوط أمريكية وسوفييتية، ولم تتمكن فرنسا ولا بريطانيا من النيل من مأربهما في قناة السويس.
عدم تنازل عبد الناصر أو المساومة في قضية قناة السويس، وعدم نيل فرنسا وبريطانيا مبتغاهما، جعل عبد الناصر بطلاً قوميًّا في مواجهة "الإمبريالية المعادية للعرب".
وفي عام 1958م، قامت وحدة بقيادة عبد الناصر بين سوريا ومصر، تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة، ومثّل الدمج البذرة الأولى لتكوين وحدة عربية واسعة النطاق.
ولم يُكتب للوحدة عمر طويل فقد تمّ حلّها في عام 1961م، إلا أن مصر استمرّت بتبني اسم الجمهورية العربية المتحدة، حتى عام 1971م بعد وفاة عبد الناصر بعام.
وبعد هزيمة حرب الستة أيام كما سميت في إسرائيل والغرب، أو النكسة كما عُرفت عند المصريين والعرب، في عام 1967م، خرج عبد الناصر على الجماهير طالبًا التنحي عن منصبه، إلا أن الجماهير طالبته بعدم التنحي عن رئاسة الجمهورية. ويرى البعض أن قرار تنحي عبد الناصر لم يكن إلا قرارًا صوريًا، ولم يُقصد به التنحي بمعنى الكلمة.
ظل عبد الناصر في دفّة الحكم حتى 28 سبتمبر 1970م، عندما أُصيب بنوبة قلبية أودت بحياته، عن عمر ناهز الثانية والخمسين،