عدد المساهمات : 654 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 2009-08-24 العمر : 33 الموقع : وانت مالك
Subject: ااهم مراحل الحضارة الاسلامية فى مصر Mon 14 Sep 2009, 8:42 pm
عصر الولاة وعندما تولى عبد العزيز بن مروان (65- 86هـ/ 684- 705م) عامل الأقباط معاملة طيبة، ولما بنى مدينة حلوان واتخذها عاصمة له بدلاً من الفسطاط، نقل إليها بيت المال، وكان الأمين عليه رجلاً قبطيًّا، وطلب عبد العزيز إلى الأقباط أن يبنوا لهم دورًا بمدينته الجديدة، ولكي يحبِّب إليهم سُكناها أمر البطريرك ببناء كنيسته فيها. وفي عصر الولاة اهتم حكام مصر بشئونها الاقتصادية، فأولوا عنايتهم بالزراعة عقب الفتح مباشرة، وعملوا على زيادة الغلاّت والمحاصيل، واهتموا بشئون الري، ولهذا أقاموا مقاييس للنيل لمعرفة الزيادة والنقصان في مياهه، فبنى مسلمة بن مخلد مقياسًا في جزيرة الروضة، وبنى عبد العزيز بن مروان مقياسًا بحلوان، وأقام أسامة بن زيد التنوخي عامل الخراج بمصر في خلافة سليمان بن عبد الملك (96- 99هـ) مقياسًا كبيرًا بالروضة سنة 97هـ . أتى عبد الله بن طاهر قائد الخليفة المأمون من الشام إلى مصر في سنة (211هـ/ 825م)، فأعاد الهدوء والاستقرار اللذين فقدتهما مصر أثناء الفتنة التي حدثت بين الأمين والمأمون، والتي وصلت جذوتها بين رجالات مصر الذين تحاربوا فيما بينهم للاستئثار بسلطة مصر، وعندما وصل عبد الله بن طاهر إلى مصر، استطاع أن يقضي على الفتن الداخلية، ويردّ الخارجين إلى طاعته، ثم توجه إلى الإسكندرية وحاصر الأندلسيين بها، فاضطروا إلى الجلاء عنها على مراكب أعدها لهم عبد الله، وقصدوا إلى جزيرة تكريت، وكانت في أيدي البيزنطيين فاقتحموها، ونزلوا بها سنة 212هـ/ 827م، وأسسوا بها دولة زاهرة استمرت نحو قرنٍ وثلث، إلى أن استعاد البيزنطيون الجزيرة من المسلمين فيما بعد .
أحوال مصر الحضارية في عصر الولاة من أهم مميزات عهود القوة في تاريخ مصر الاهتمام بالعمران والصناعة والزراعة، ورعاية الشعب، والعناية بالفقراء والمحتاجين، وتقوية الجيوش، ورعاية العلماء وطلاب العلم؛ فعندما خرج المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الدين الإسلامي، كانوا يعلمون أنهم سيفتحون بلادًا عرفت الحضارة منذ آلاف السنين، وما كاد الفتح الإسلامي لمصر يتمّ، حتى أدرك المسلمون أنهم أمام شعب أصيل مستقر، فعاملوه باحترام، ولم يتعرضوا لعقيدته وتقاليده، واستوعبوا حضارته وحضارة شعوب الأقطار المفتوحة الأخرى، واستفادوا منها في تأسيس حضارة جديدة، هي الحضارة الإسلامية أعظم ما عرفته البشرية في العصور الوسطى.
أحمد بن طولون وقد استغل أحمد بن طولون إمكانات مصر البشرية أحسن استغلال، ويُعَدّ عهدُه البداية الحقيقية لمصر الإسلامية، لما بلغته من نجاح في أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والأساليب الفنية، وفي عهده أيضًا تفوقت مصر ماديًّا ومعنويًّا على حكومة الخلافة العباسية التي اضطرت للاعتماد على مصر، وشعر الناس في عهد ابن طولون بالرفاهية والاستقرار والرخاء، بصورة لم نجدها في إقليم آخر في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، ويكفي أنه صار حاكمًا على دولة واسعة شملت مصر إلى النوبة جنوبًا، وامتدت غربًا إلى برقة، وشملت الشام أيضًا. وهو أول من جمع له بين مصر والشام في الإسلام، وخير تعبير عن وضع مصر في أيام أحمد بن طولون ما قاله القلقشندي: "وفي أيام أحمد بن طولون عَظُمَ شأن مصر، وعلا قدرها، وانتقلت من الإمارة إلى الملك". أسس أحمد بن طولون مدينة جديدة سنة 256هـ/ 870م على جبل يشكر الذي يعرف بقلعة الكبش بين الفسطاط وتلال المقطم، وقد سميت المدينة الجديدة باسم القطائع؛ لأن كل طائفة من رجاله اتخذت لها قطيعة لسكانها، فيقال قطيعة السودان، وقطيعة الروم، وقطيعة الفراشين، ونحو ذلك، وبَنَى القواد مواضع متفرقة، فغمرت القطائع، وبنيت فيها المساجد والطواحين والحمامات، فصارت القطائع مدينة كبيرة. وبنى ابن طولون في مدينة القطائع قصرًا ضخمًا، جعل أمامه ميدانًا فسيحًا ليستعرض فيه جيشه، ثم أقام حول القصر ثكنات لجنوده وحاشيته، ولما مات ابن طولون وخلفه ابنه خمارويه، زاد في قصر أبيه، وجعل الميدان كله بستانًا، وزرع فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر، كما بنى ابن طولون على سفح جبل يشكرمسجده المعروف باسمه، وما زال باقيًا حتى الوقت الحاضر، ويعتبر أحد الآثار الدينية الرئيسية الإسلامية، وقد انتهى من بنائه في سنة 265هـ/ 879م . وقد بنى أحمد بن طولون المارستان (المستشفى) في سنة 259هـ/ 872م لعلاج المرضى دون تمييز بين الطبقات والأديان، وجعل العلاج فيه دون مقابل، وألحق به صيدلية لصرف الأدوية، فإذا دخل المريض المستشفى تنزع ثيابه وتقدم له ثياب أخرى، ويودع ما معه من المال عند أمين المارستان، ويظل تحت العلاج حتى يتم شفاؤه، وكانت دلالة شفاء المريض قدرته على أكل رغيف ودجاجة، وعندئذٍ يسمح له بمغادرة المستشفى، وكان ابن طولون يتفقد المستشفى ويتابع علاج الأطباء، ويشرف على المرضى. استطاع أحمد بن طولون أن يكوِّن جيشًا كثيف العدد، وكان ذلك الجيش أول جيش مستقل في مصر في العصور الوسطى، فقد كان قائده الأعلى هو ابن طولون، وليس لأحد غيره سلطان على الجيش ورجاله، وكان الجيش يتكون من السودان والإغريق والترك والعرب، ويشمل أكثر من أربعة وعشرين ألفًا من الأتراك، وأربعين ألف سوداني، وسبعة آلاف مرتزق، وبلغ رزق الجيش في أيام خمارويه تسعمائة ألف دينار. قد بذل أحمد بن طولون جهده لتشجيع الزراعة، وزيادة الإنتاج الزراعي، فأصلح الترع والقنوات التي تروي الحقول، وحفر الجديد منها، وأصلح السدود المحطمة، وحمى الفلاحين من ظلم جُباة الضرائب وتعسفهم؛ مما أدى إلى ازدياد مساحات الأراضي المزروعة من جهة، ووصول أسعار الحبوب إلى أدنى مستوى، وكانت عناية خمارويه بالزراعة لا تقل عن عناية أبيه. وازدهرت الصناعة أيضًا في مصر في العصر الطولوني، ويأتي على رأس الصناعات التي اشتُهِرَت بها مصر آنذاك صناعة النسيج، ومن ذلك صناعة الكتان التي اكتسبت أسواقًا جديدة، وكانت تصنع أنواعًا مختلفة من الكتان في مدن تَنِّيس ودمياط ودبيق وشطا ودميرة وغيرها، وفي مصر العليا في مدن الفيوم والبهنسا وإخميم، واشتهرت مصر كذلك بصناعة المنسوجات الصوفية المعروفة بجودتها، والتي كان يتم تصدير كمياتٍ كبيرةٍ منها إلى كثيرٍ من الأقطار، كما أن المنسوجات المطرَّزة بالذهب والموشاة التي أنتجتها مدينة الإسكندرية عرفت بجودتها العالية.
مصر في عهد الإخشيدن تميز عهد الإخشيدييين ظهور عدد من أعلام الفقه من أبناء مصر الذين كان لهم نشاط ملحوظ، وكان الفقه من العلوم التي أخذت حيزًا من الاهتمام، وكان على رأس الفقهاء المالكية في هذا العهد هارون بن محمد بن هارون الأسواني المتوفَّى (327هـ/ 939م)، وعلي بن عبد الله بن أبي مصر الإسكندراني المتوفى سنة (330هـ/ 942م)، ومن فقهاء الشافعية يأتي في مقدمتهم أبو بكر محمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد المتوفى سنة (345هـ/ 956م)، فقد تولى القضاء والتدريس في مصر، وقال عنه ابن خلكان: "كان متصرفًا في علوم القرآن الكريم، والفقه، والحديث، والشعر، وأيام العرب، والنحو، واللغة وغير ذلك، ولم يكن في زمانه مثله، وكان محببًا إلى العام والخاص.... وكذا اهتم الإخشيديون بإنعاش الأحوال الاقتصادية في مصر، وأولوا عنايتهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، فالزراعة كانت الحرفة الأساسية لمعظم السكان، وتمثل المورد الأساسي لمدخول الدولة، وقد بذل كافور الإخشيدي جهودًا مكثفة في تنمية الزراعة، حتى زاد خراج مصر على أربعة ملايين دينار كل سنة، فبلغ خراج الفيوم وحدها سنة (356هـ/ 976م) أكثر من 620 ألف دينار.
[b]مصر في عهد صلاح الدين[/b] وقد تبوأت مصر في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي مكانة عالية، ففي الوقت الذي كان الأيوبيون يجاهدون فيه الصليبيين في بلاد الشام ومصر، عملوا على استتباب الأمن في مصر، وتوفير الرخاء الاقتصادي لها، وهو ما ظهر على الفلاحين؛ فقد انعدمت ثوراتهم طيلة العصر الأيوبي كله. ترك صلاح الدين الأيوبي بصمة واضحة المعالم في التاريخ الإسلامي كله، فبلغت مصر بنصر حطين عام (583هـ/ 1187م) ذروة سامقة مهيبة في المجال الحربي والعسكري؛ إذ أُنشِئ "ديوان الجيش" وهو بمنزلة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر، ولا بد لمن يتولى رئاسته أن يكون مسلمًا، وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة، وله اختصاصات واسعة؛ فهو مسئول عن معرفة أحوال الجند وما يتعلق بهم. وساد في عصر صلاح الدين أيضًا نظام الإقطاع الحربي، ويُقصد به توزيع الأراضي على كبار أمراء الدولة وأمراء الأجناد بدل منحهم الرواتب والأعطية النقدية، مقابل تأديتهم خدمات حربية، وتقديم عدد من الجند إلى الجيش السلطاني زمن الحرب كاملي العُدَّة والعدد. وبالرغم من الظروف التي جعلت الدولة الأيوبية في مصر دولة حربية؛ لجهادها الطويل مع الصليبيين، لكن التجارة نشطت نشاطًا ملحوظًا في عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث أقيمت العلاقات التجارية الدولية بين مصر والجمهوريات الإيطالية: بيزا والبندقية وجنوة، فكان التجار الإيطاليون يفدون على ثغري دمياط والإسكندرية للحصول على سلع الشرق.
مصر المملوكية حاضرة العالم الإسلامي كما أضحت مصر في عهد دولة المماليك حاضرة العالم الإسلامي، فبعد هزيمة المغول عام 658هـ/ 1260م على يد سيف الدين قطز، أصبحت مصر قبلة الأنظار ودرة مدن الشرق، وقُدِّر لحضارتها أن تصل إلى المغول، إلى دولة المغول المعروفة باسم القبيلة الذهبية عند بحر قزوين جنوبي روسيا، وإلى إمبراطورية الإيلخانات نفسها بصورة واضحة ملموسة. استطاع ركن الدين بيبرس أن يجعل مصر قاعدة للخلافة الإسلامية، باستقدامه أحد أبناء البيت العباسي من دمشق، ومبايعته بالخلافة، وهو أبو القاسم أحمد الذي لُقِّب بالمستنصر، لكن المقريزي وصف وضع الخليفة في القاهرة بأن خلافته "ليس فيها أمر ولا نهي، وحَسْبُه أن يُقال له: أمير المؤمنين"، لكن مصر "حين صارت دار خلافة عظم أمرها، وكثُرت شعائر الإسلام فيها، وعلت فيها السنة، وعَفَت منها البدعة، وصارت محل سكن العلماء، ومحط رجال الفُضلاء". لم يتوقف السلاطين المماليك عند الانتصار المشهود في عين جالوت، فسار ركن الدين بيبرس في تتبع الصليبيين في الشام حتى سقطت بعض مدنها مثل قيسارية وحيفا وصفد في عامي (663- 664هـ/ 1265- 1266م)، وكان سقوط مدينة أنطاكية عام 666هـ/ 1268م بمنزلة كارثة حقيقية ألمت بالصليبيين منذ سقوط بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي عام 583هـ/ 1187م. وقد وصف العلامة المغربي عبد الرحمن بن خلدون مصر في عهد المماليك الجراكسة حين قدم إلى مصر في عام 784هـ/ 1382م قائلاً: "فانتقلتُ إلى القاهرة أول ذي القعدة، فرأيت حضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، ومدرج الذر من البشر، وإيوان الإسلام، وكرسيّ الملك، تلوح القصور والأواوين في جوه، وتزهر الخوانق والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب بين علمائه، وقد مثَلَ بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسبقهم النهل والعلل سيحه، ويجبى إليهم ثمرات شجه....ثم أضاف قائلاً: "ونحن لهذا العهد (المماليك الجراكسة) نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر، لما أن عمرانها مستبحر، وحضارتها مستحكمة منذ آلاف السنين، فاستحكمت فيها الصنائع وتفنَّنت، ومن جملتها تعليم العلم... عَظُمَت أحوال مصر الاقتصادية على عهد سلاطينها المماليك، فاهتموا بالزراعة باعتبارها مصدر الثروة الأول الذي عاش عليه المصريون منذ قديم الأزل، وفي عهدهم قُسمت الأراضي الزراعية إلى أربعة وعشرين قيراطًا، اختصَّ السلطان بأربعة قراريط للكلف والرواتب وغيرها، وخصص عشرة قراريط للأمراء، أما العشرة الباقية فكانت من نصيب الأجناد. وقد ارتقت الصناعة في عهدهم وأصبحت على درجة كبيرة من الجودة والإتقان، ومن أهم الصناعات في العصر المملوكي صناعة المنسوجات من الحرير والصوف والكتان والقطن. لم يألُ سلاطين المماليك جهدًا في تشجيع تجارة البحر الأحمر، فرحبوا بتجار الشرق المترددين على موانئ مصر المطلة على البحر الأحمر، وخاصة ميناء عيذاب التي وصفها الرَّحّالة ابن جبير بأنها: "أحفل مراسي الدنيا؛ بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها وتقلع منها، زائدًا إلى مراكب الحجّاج الصادرة والواردة...